انفصال الوالدين من أصعب المواقف التي تمر على الطفل في حياته ويجب معالجة الأمر بحكمة بالغة ليستطيع الطفل أن ينعم بالاستقرار النفسي حتى خلال مراحل الانفصال، وتلك هي المهمة الكبرى للوالدان معاً، فليست مهمة الأم وحدها أو الأب وحده بل يجب وضع خطة واتفاق مناسب بين الطرفين لضمان السلامة النفسية للأطفال
ماذا يجب على الوالدين فعله بعد اتخاذ قرار الانفصال؟
حين يقرر الوالدان الانفصال يجب عليهما مناقشة تلك الأسئلة التي سيحتاجان للإجابة عليها وهي:
- من سيخبر الطفل بالأمر الأب أم الأم؟
- ماذا نقول للطفل وما الكلام المناسب لإخباره؟
- ما هي اللغة- طريقة الكلام- التي سوف تستخدم خلال جلسة إطلاع الطفل على الأمر؟
- ما رد فعل الطفل المتوقع؟ وكيف سيتم احتوائه؟
- كيف ستكون حياة الطفل بعد الانفصال؟
- ما المدة التي سوف يحتاجها الطفل للتعافي جرّاء انفصال والديه؟
من سيخبر الطفل بقرار الانفصال؟
يجب أن يجلس الوالدان معاً برفقة الطفل لإخباره بقرار الانفصال، حتى وإن كان هناك خلاف بين الوالدين فيجب عليهما أن ينحيا الخلاف جانباً ويفكرا في طفلهما وفي حالته النفسية، لأن رؤيتهما سوياً وإخباره بالأمر معاً سوف يخفف بلا شك وطأة الأمر عليه، فسوف يساعده ذلك على أن يرى والدان مهتمان به يستطيعان الجلوس والتحدث معاً فيم يخصه، وسيجعله ذلك مطمئناً أنهما وبرغم انفصالهما فهما يجلسان سوياً الآن لمناقشته والإجابة عن كل ما يشغل باله
ماذا نقول للطفل؟ وما الكلام المناسب لإخباره بالأمر؟
في البداية أخبرا طفلكما بأنكما تريدان الجلوس معه لمناقشة أمر هام يخص الأسرة، ثم عبرا عن حبكما له، قولا له بأننا نحبك وسنظل نحبك فقد جلسنا وناقشنا الأمر سوياً قبل أن نقرر اطلاعك عليه، نود أن نخبرك بأننا نود الانفصال والانفصال يعني أننا لن نصبح زوجين وسيعيش كلّ منّا في منزل منفصل، وهذا لا يعني أننا لسنا أسرتك فنحن مازلنا أسرتك الجميلة ولكن شكل الأسرة سيتغير قليلاً بعدم وجود والدك ووالدتك في منزل واحد
يمكنكما أن تخبراه ان الخلافات قد اشتدت بينكما وأنكما تعلمان أنه يرى بعض تلك الخلافات ولا ذنب له تماماً في ذلك وأنتما آسفان أن الوضع قد وصل إلى تلك المرحلة ولكنكما حاولتما كثيرا لإصلاح الوضع من أجلكما ومن أجله ولم تستطيعا التوافق فقررتما الانفصال، لا تسردا مواقف خلافية أمام الطفل ولا تخبراه بأوجه عدم الاتفاق بينكما، لا يُلق أحدكما لوماً على الآخر أمام الطفل فالقرار مشترك بينكما والمسؤولية تتحملانها سوياً، اجعلا الكلام عاماً وصادقاً قدر المستطاع فالأطفال يشعرون بمدى صدق كلام الوالدان فلا تحاولا تمثيل الأمر على الطفل
ما اللغة- طريقة الكلام- التي تستخدم خلال جلسة إطلاع الطفل على الأمر؟
جلستكما مع الطفل لابد أن يملؤها الاحترام والتقدير لطفلكما وأحدكما الآخر فتذكرا جيداً أنكما قد عشتما معاً أياماً جميلة ولم تكن كل الأيام سوداء، ليس ذنباً على طفلكما أن يرى أحد الوالدان ينظر إلى الآخر بكرهٍ أو غضبٍ أو حتى لومٍ فذلك لن يساعد طفلك على تقبل الأمر والتعافي ولن يساعدك أيضا على التعافي بل سيزيد الأمر سوءاً
حاولا منح الطفل ابتسامة ودودة هادئة وانظرا إلى عينيه حينما تتحدثان ليستشعر صدق حديثكما وتحدثا من باب أنه صديقكما الصغير ورفيق دربكما الذي سوف يؤثر هذا القرار على مستقبله وليس من باب مجرد إخباره بقرار وصلتما إليه، فسوف يساعدكم ذلك على التواصل معه بشكل جيد خلال الجلسة
ما رد فعل الطفل المتوقع؟ وكيف سيتم احتوائه؟
توقعا أن يثور الطفل في البداية، من الممكن أن يرفض ويغضب، من الممكن أن يصرخ، يمكنه أن يحاول ترككما والخروج من الغرفة، توقعا جميع ردود أفعال الغضب الممكنه فأنتما أدرى الناس بطفلكما وبطريقة تعبيره عن غضبه وسيتوقف رد فعله على مدى حساسية طفلكما وعمره ولغة الحوار والمناقشة التي تدور في منزلكم يومياً قبل الانفصال
من الأمور الهامة التي لابد أن يعيها الوالدان هي أن طريقة تربيتك لطفلك وتعاملك معه في الأمور الحياتية اليومية سوف تظهر هنا جليةً في المواقف الصعبه فما تعودت عليه مع طفلك خلال مناقشتكما العادية سوف تراه أمامك الآن وأنت تناقش قرار مصيرياً كهذا فلا تتوقع من طفلك أن يتفهم مباشرة أو يوافق على قراركما ولكنه سيحاول أن يضغط عليكما ومن الممكن أن يحاول ابتزازكما عاطفيا ولومكما على كل شيء
توقعا كل شيء وأي شيء وكونا هادئين وإياكما أن تنساقا وراء غضبه، فقط تعاطفا مع ألمه وغضبه وتفهما أن الوضع مرعب بالنسبة له وأن حياته تنقلب رأساً على عقب فهو الأن سيدور في دائرة من الخوف والغضب والحزن والألم ورد فعلكما الآن إما ، سيجعله مطمئناً أو سيزداد خوفه وغضبه، إن كان طفلكما يفضل التلامس الجسدي ليهدأ فحاولا احتضانه وأخبراه انكما تعلمان أن الوضع صعب عليه وتتفهمان ألمه وانكما جاهزان للإجابة عن كل أسئلته
يمكنك أيضا الاطّلاع على محتوى دروة تربية بالمنتسوري الخاصة بالتعامل مع الطفل وتربيته واحتوائه في مرحلة الطفولة المبكرة
كيف ستكون حياة الطفل بعد الانفصال؟
من الأفضل للطفل إذا كان تحت سن البلوغ أن يعيش مع والدته، ولكن يمكنكما الاتفاق والتفاهم حول الوضع الأنسب لكما ولطفلكما ويمكنكما أيضا أن تسألا الطفل عن المكان الذي يود أن يعيش فيه ولكن احذرا أن تتحيزا لمكان معين أو أن يعرض عليه شخص منكما بمفرده أن يعيش معه ليشعره بأنه المكان الأفضل له، فلابد أن تلتزما بم اتفقتما عليه مسبقاً حتى يعلم الطفل أن هناك تفاهماً بينكما فيم يخص أموره
إذا قررتما أن يعيش الطفل مع والدته فأخبراه انه يمكنه زيارة والده وقتما يشاء وبم يسمح جدول دراسته، يمكنه التواصل معه من خلال المكالمات الصوتية والمرئية أيضا، يمكنه الخروج والتنزه مع والده وأن يتواصل معه وقتما يحلو له والعكس صحيح في حال اتفقتما على البقاء في منزل والده
ما المدة التي سوف يحتاجها الطفل للتعافي جرّاء انفصال والديه؟
يتعافى الأطفال بشكل أسرع مم نظن بكثير ولكن يتوقف ذلك على طريقة تعاملنا مع الأمر فهم سريعو التكيف مع الظروف المحيطة بهم وشديدي التأثر في ذات الوقت، لا توجد مده محددة للتعافي ولكن إدارة قرار وطريقة الانفصال وأيضا طريقة التعامل مع الطفل خلال مرحلة الانفصال وبعدها وتعامل كل منكما مع الآخر سوف يؤثر على تعافيكما وتعافي طفلكما وهذا أمر يعود إليكما بالكامل
فمن الطبيعي في حال احتدام الخلاف بين الأب والأم وتمسك كل منهما برأيه والانجراف وراء الغضب والسب والقذف وربما المحاكم سوف يزيد الأمر سوءاً وسينعكس على طفلكما بشكل كبير، أما في حال تنحية الخلافات جانبا ووضع الطفل أولوية أولى والتركيز مع احتياجاته النفسية في تلك المرحلة سوف يساعده على التعافي سريعاً
اعلمي عزيزتي الأم أن:
- من واقع تجربتي أخبرك بأن قرار الانفصال مرهق ومستنزف لطاقتك النفسية والصحية فساعدي طفلك بمساعدة نفسك على التعافي وطلب الدعم والمساعدة »من المقربين المحبين فقط أو المتخصصين «فالأم السعيدة تربي أطفالاً سعداء
- لا تستعجلي بنشر قرار انفصالك فسوف تحتاجين تلك الطاقة للتعامل مع آلامك النفسية ومع طفلك لاستعادة توازنك مرة اخرى فإذاعة الخبر سريعا سوف يرهقك كثيرا لأن المجتمع يضغط على المطلقة بأسئلته ونظراته وهمساته وسيجبرونك على ان تدوري في دائرة مؤلمه من التوتر والغضب والحزن والألم …الخ ولن يساعدك ذلك على التعافي وبالطبع لن يساعد طفلك كذلك فخذي وقتك وطفلك كاملاً للتعافي والتأقلم على الوضع الجديد وبعدها يأتي أي شيء آخر
- طفلك ينظر إليكِ قبل اتخاذ أي ردة فعل فإن وجدك هادئة متماسكة متقبله سيقلل ذلك من حدة ردة فعله، وإن وجدك منهارة متألمة ومستنزفه فسوف ينهار ويغضب ويتألم ويزيد الأمر عليكي فكوني له عوناً واجعلي حضنك الدافيء سنداً لمعاناتكما فالأمر جلل عليه هو الآخر، توقعي انخفاض مستواه في دراسته لبعض الوقت فتقبلي ذلك وأخبريه أن الوضع سيتحسن وفكرا سويا كيف يمكن رفع معنوياته وحالته النفسية بشتى الطرق ليستعيد نشاطه
- لن يفيدك أو يفيد طفلك أن تذكري والده بأسوأ الكلمات ولا أن تحاولي إخبار الآخرين بأنه المخطيء وأن الذنب ذنبه فكل ما سوف تجنينه هو فضح أسرارك الخاصة وتكوين سمعة سيئة لك و لطفلك وإهدار وقتك ومجهودك وطاقتك، ركزي على رحلة التعافي واستشعري لطف الله ورحمته في جميع أمورك، مارسي الرياضة واشغلي وقتك بهوايات تفيدك أو عمل يساعدك على التعافي، اقرأي وتعلمي ادرسي وضعي خطة تعينك على التعافي وملء وقت فراغك والوقوف على قدمك من جديد
يمكنك الاستعانة بمحتوى كورس أم مستقلة حيث سيساعدك على اكتشاف شغفك والمضي قدماً نحو الاستقلال المادي بالتركيز في خطوات عملية وبسيطة على استغلال مهاراتك في تنفيذ مشروعك الخاص بينما تستمتعين بصحبة طفلك وتربيته
أعانك الله وعوضك خيرا ووفقك لما يحب.